Thursday 24 January 2013

من هم أهل السنة ؟ وما هي السنة؟ هل هي سنة النبي فقط؟ أم سنة الصحابة والشيخين أيضا؟ وما علاقة الاسم بالمذهب الحنبلي؟

اشتهر الإمام أحمد بن حنبل (164 ـ 241 هـ ) كزعيم لأهل السنة، لما قام به من تأسيس لأصول المذهب. وما اتخذه من موقف رافض وشديد لمدرسة الفقهاء والمجتهدين والمعتزلة، حيث ذهب الى التمسك بالحديث كما هو (وقد روى حوالي أربعين ألف حديث في مسنده) معتبراً ذلك من السنة، ورافضاً أي جدل أو نقاش في الأحاديث ، فضلاً عن ردها، معتبراً ذلك بدعة مخالفة للسنة، فقال في رسالته في (أصول السنة):" أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) والاقتداء بهم ، وترك البدع. وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال والخصومات في الدين. والسنة عندنا آثار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول والأهواء. إنما هو الاتباع وترك الهوى". وأشار أحمد الى أهمية "التصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها. لا يقال: لِمَ؟ و كيف؟، إنما هو التصديق والإيمان بها. ومن لم يعرف تفسير الحديث، ويبلغه عقله؛ فقد كفي ذلك وأحكم له؛ فعليه الإيمان به والتسليم له". ثم طالب بالتسليم للأحاديث التي اعتبرها صحيحة، وقال:"لا يكون صاحبه - وإن كان بكلامه سنة- من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلِّم، ويؤمن بالآثار...والحديث عندنا على ظاهره، كما جاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) والكلام فيه بدعة. ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره. ولا نناظر فيه أحداً ".

وقد رفض الامام أحمد بن حنبل القياس والعمل بالرأي كما كان يفعل الامام أبو حنيفة، وذهب الى تفضيل الأحاديث المرسلة والضعيفة على الرأي، واعتبار ذلك أصلا من أصول السنة. وحسبما يقول ابنه عبد الله: أنه سمع أباه يقول:" الحديث الضعيف أحب إليَّ من الرأي". فسأله عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه، وأصحاب رأي، فتنزل به النازلة. فقال أحمد بن حنبل: "يسأل أصحاب الحديث، ولا يسأل أصحاب الرأي. ضعيف الحديث أقوى من الرأي".[5]

ورغم وجود شكوك حول صحة كثير من الأحاديث، وبالخصوص أخبار الآحاد، وبالأخص الأحاديث المناقضة للعقل والقرآن، فان أهل الحديث (أو أهل السنة، أي الحنابلة) أطلقوا على كل ما وصل اليهم من أحاديث اسم (السنة) إذا صح السند لديهم، ورفضوا دراسة متنها وتنقيحها على هذا الأساس.[6] وفي هذا يقول أحد أعمدة المذهب الحنبلي وهو الامام البربهاري:"اعلم رحمك الله: أنه ليس في السنة قياس، ولا يضرب لها الأمثال، ولا تُتبع فيها الأهواء، وانما هو التصديق بآثار رسول الله (ص) بلا كيف ولا شرح ، ولا يقال: لم؟ وكيف؟ والكلام والخصومة والجدال والمراء محدث، يقدح الشك في القلب، وإن أصاب صاحبه الحق والسنة".[7] " واعلم – رحمك الله – أن الدين إنما جاء من قبل الله تبارك وتعالى، لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله وعند رسوله، فلا تتبع شيئا بهواك، فتمرق من الدين، فتخرج من الإسلام...". "واعلم رحمك الله أن من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأويله من غير حجة من أهل السنة والجماعة فقد قال على الله ما لا يعلم".[8]

ويحذر من الكلام وأصحاب الكلام والجدال والمراء والقياس والمناظرة في الدين، ويقول:"إن استماعك منهم، وإن لم تقبل منهم، يقدح الشك في القلب، وكفى به قبولاً فتهلك. وعليك بالأثر وأصحاب الأثر والتقليد، فان الدين إنما هو التقليد ، يعني للنبي (ص) وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ومَن قبلنا لم يدَعونا في لبس ، فقلدهم واسترح ، ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر".[9]

ويضيف:"لا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام، حتى يردَّ آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئا من آثار رسول الله (ص). وإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام".[10] "وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها، أو ينكر شيئا من أخبار رسول الله (ص) فاتهمه على الإسلام، فانه رجل رديء القول والمذهب ، وإنما طعن على رسول الله وأصحابه؛ لأنه إنما عرفنا الله وعرفنا رسوله وعرفنا القرآن وعرفنا الخير والشر والدنيا والآخرة بالآثار، وإن القرآن الى السنة أحوج من السنة الى القرآن".[11] "وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار، أو يرد الآثار، أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع. وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ، ويُرِد القرآن، فلا شك أنه رجل قد احتوى على الزندقة ، فقم من عنده ودعه".[12] "وكل ما سمعت من الآثار مما لم يبلغه عقلك، نحو قول رسول الله (ص) :"قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن" وقوله:" ان الله تبارك وتعالى ينزل الى سماء الدنيا، وينزل يوم عرفة، وينزل يوم القيامة، وجهنم لا يزال فيها مطرح حتى يضع عليها قدمه، وقوله خلق الله آدم على صورته، وقول النبي: رأيت ربي في أحسن صورة " وأشباه هذه الأحاديث ، فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض، لا تفسر شيئا من هذه بهواك، فان الإيمان بهذا واجب، فمن فسر شيئا من هذا بهواه أو رده فهو جهمي".[13]

وهكذا يقول ابن زمنين الأندلسي:"اعلم رحمك الله أن السنة دليل القرآن، وأنها لا تدرك بالقياس ولا تؤخذ بالعقول، وإنما هي في الاتباع للأئمة ولما مشى عليه جمهور هذه الأمة".[14]

السنة حاكمة على الكتاب

وبينما كان أهل الرأي يعتبرون القرآن المصدر الأول والأساس للتشريع، ويرفضون تخصيص عموم القرآن بأخبار الآحاد، كان "أهل الحديث" يضعون أخبار الآحاد في موازاة القرآن أو أعلى منه. وذلك لأنهم نظروا الى (السنة) باعتبارها نصا مكافئاً للقرآن، من حيث وجوب العمل بكليهما، فهما معا جزءان أو قسمان كلاهما يتمم الآخر، ويجمعهما معا اسم النصوص الموحى بها والتي يرجع اليها أولاً في إثبات أحكام الشريعة. وحسبما يقول الامام الغزالي في (المستصفى):"إن الكل من عند الله. إن كلام الله واحد وليس بكلامين، أحدهما قرآن والآخر ليس بقرآن. الاختلاف بينهما بالعبارة فقط، فربما عبر الله بكلامه بلفظ منظوم يأمرنا بتلاوته فيسمى قرآناً، وربما عبر بلفظ غير منظوم فيسمى سنة، والكل مسموع من الله، وإن الناسخ هو الله في كل حال".[15]

وحسبما يقول القاضي عبد الجواد ياسين، فان الفقه السلفي، كان يعتبر السنة في مرتبة القرآن، فكلاهما وحي ألقي في روع النبي (ص) ومن ثم فإذا حدث تعارض ظاهري بين نص سني ونص قرآني، وجب أن تجري عليه القواعد التي يتم بها رفع التعارض بين نصين قرآنيين، حيث لا فرق بين هذين الضربين من التعارض، ومن بين هذه القواعد تخصيص العام أو تقييد المطلق أو حمل الخاص على العام أو حمل المطلق على المقيد.[وذلك على العكس من موقف الامام أبي حنيفة الذي كان يرى أن عام القرآن قطعي، وأن أخبار الآحاد ظنية، ومن ثم فليس لهذه الأخبار أن تخصص عام القرآن.ولذلك كان يعرض الحديث على أصول القرآن، وقوانين العقل الكلية.] وأن أخبار الآحاد تملك صلاحية تخصيص العام الوارد في القرآن، لأن دلالة العام في القرآن "ظنية" وليست قطعية في دخول أفراد العام جميعا في معنى العموم. وبالتالي فان أخبار الآحاد يمكن أن تخصص عموم القرآن، من منطلق أن الظني يملك صلاحية تخصيص الظني.[17]

وبلغ التطرف لدى بعض أهل الحديث شأواً بعيداً، بوضعهم أخبار الآحاد في منزلة أعلى من القرآن الكريم، وذلك بقولهم إن السنة حاكمة على القرآن، و إنها تخصص عموم القرآن، ولو كانت أخبار آحاد. في حين لا يعارض القرآن الأحاديث ولا يخصصها. ولذلك رفض الإمام أبو بكر الآجري معارضة الأحاديث بالقرآن، وأنكر ذلك وحذر منه أشد التحذير.[18] واعتبر من يقول به "خارجا عن ملة الإسلام ، وداخلا في ملة الملحدين ".[وضع بابا خاصا في كتابه (الشريعة): هو (باب في التحذير من طوائف تعارض سنن النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله عز وجل وشدة الإنكار عليهم ) واستشهد بقول لسعيد بن جبير أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : إن الله عز وجل قال في كتابه كذا وكذا، فقال : "لا أراك تعارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله عز وجل ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله عز وجل". الآجري، الشريعة ، ص 51.] واشتهر عن يحيى بن كثير قوله:" السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب قاضٍ على السنة".[20] وقال الامام البربهاري:"إن القرآن الى السنة أحوج من السنة الى القرآن".[21]

ولكن عندما سئل الامام أحمد بن حنبل عن معنى قول "السنة قاضية على الكتاب" ما تفسيره؟ تردد وقال:" ما أجرؤ على هذا أن أقول، لكن السنة تفسر القرآن، ولا ينسخ القرآن إلا القرآن". وقال ابنه عبد الله : سألت أبي: أتقول في السنة تقضي على كتاب الله؟ قال:قد قال ذلك قوم، منهم مكحول والزهري. قلت لأبي: فما تقول أنت؟ قال: أقول إن السنة تدل على معنى الكتاب. وكان جواب أحمد هذا - في الحقيقة- غامضاً ، ولذلك ترك الباب مفتوحاً أمام أبي عمر بن عبد البر ليفسره بقوله:"يريد أنها تقضي عليه وتبين المراد منه". أي بما ينسجم مع نظرية يحيى بن كثير والتي تحرَّج الامام أحمد من البوح بها بصراحة.[22]

وقد أكد المحدث المعاصر ناصر الدين الألباني، مقولة "السنة حاكمة على كتاب الله" وقال:"يجب اعتبار الكتاب والسنة مصدراً واحداً لا فصل بينهما أبدا".[23]

سنة الصحابة

وتبعاً لقولهم بعدالة الصحابة وتصحيح جميع الروايات الواردة عن طريقهم، تطور موقف "أهل السنة" من الصحابة، وخصوصا الخلفاء الراشدين، درجة أخرى، بحيث اعتبروا سنة الصحابة جزءاً من سنة رسول الله (ص) فقد رووا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". و"ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة – وهي الجماعة – قيل يا رسول الله من هم؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي".

ورووا عن عرباض بن سارية السلمي، أنه قال: وعظنا رسول الله (ص) موعظة دمعت منها الأعين ووجلت منها القلوب. قلنا يا رسول الله: إن هذه موعظة مودع فبما تعهد إلينا؟ قال:"قد تركتكم على البيضاء ليلها ونهارها لا يرجع عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضو عليها بالنواجذ...".[29]

وبناء على ذلك قال الخليفة عمر بن عبد العزيز في خطبة له :" ألا إن ما سنَّ رسول اللّه (ص) وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه، وما سنَّ سواهما فإنا نرجئه". وقال أحمد بن حنبل:"إن أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله (ص) والاقتداء بهم وترك البدع".[30]

وكان الامام الشافعي يفضل إجماع الصحابة، أو أحدهم على غيرهم، ويقول عند ذكر الصحابة رضوان الله عليهم:"هم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استُدرك أو استُنبط، وآراؤهم لنا أجمل وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا... فهكذا نقول: إذا اجتمعوا أخذنا باجتماعهم، وان قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله، وان اختلفوا أخذنا بقول بعضهم ولم يخرج عن أقاويلهم كلهم".[31] وقال في كتاب (الأم) :" ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا باتباعهما، فإذا لم يكن كذلك صرنا الى أقاويل أصحاب الرسول أو واحدهم. وكان قول الأئمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أحب الينا إذا صرنا الى التقليد...

ثم قال: فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله (ص) في الدين في موضع الأمانة أخذنا بقولهم، وكان إتباعهم أولى بنا من إتباع مَن بعدهم، والعلم طبقات: الأولى : الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة. والثانية: الإجماع مما ليس في كتاب ولا سنة. والثالثة بعض أصحاب النبي (ص) ولا نعلم له مخالفا فيهم. والرابعة: اختلاف أصحاب الرسول. والخامسة: القياس على بعض هذه الطبقات. ولا يصار الى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من أعلى".[32]

واعتبر الامام البربهاري الالتزام بسنة الصحابة جزءاً من الالتزام بالسنة.[33] كما فعل ابن رجب الحنبلي، الذي قال:إن"سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع السنة".[34]

وحسبما يقول الشيخ محمد أبو زهرة:" فان التابعين كانوا يأخذون رأي الصحابي – سواء أكان مجمعا عليه أم غير مجمع عليه – على أنه سنة، لا على أنه مجرد رأي، فأقوال الصحابة سنة عندهم يجب اتباعها، ولو كان أساسها الظاهر الاستنباط المجرد، وكذلك جاء من بعدهم الفقهاء المجتهدون، فاعتبر أكثرهم رأي الصحابي حجة يجب الأخذ بها...وقال ابن القيم في بيان قوة رأي الصحابي:" ان الصحابي إذا قال قولاً أو حكم بحكم أو أفتى بفتيا، فله مدارك ينفرد بها عنا، ومداركه نشاركه فيها، أما ما يختص به فيجوز أن يكون سمعه من النبي شفاها، أو من صحابي آخر عن رسول الله..".[35]

وهكذا اعتبر الدكتور عبد الله الدميجي سنة الخلفاء الراشدين واجبة الاتباع كسنة الرسول، وقال:" هذا أمر صريح منه (ص) بوجوب الالتزام بسنته وسنة الخلفاء الراشدين، ومن سنتهم الطريقة التي تمت توليتهم بها". وأضاف:"هذا نص صريح في وجوب الاقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ومن ذلك الاقتداء بهما في طريقة تعيين الخليفة. ومن جاء من بعدهم من الخلفاء الراشدين لا يخرج عن طريقتهما في التعيين... كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أمر – أي النبي- باتباع سنة الخلفاء الراشدين، وهذا يتناول الأئمة الأربعة، وخص أبا بكر وعمر بالاقتداء بهما، ومرتبة المقتدى به في أفعاله وفيما سنه للمسلمين فوق سنة المتبع فيما سنه فقط".[36]

إذن فإن المذهب السني لم يتوقف عند سنة الرسول العملية، كما لم يتوقف عند السنة القولية ، وإنما أضاف إليها سنة الصحابة. وإذا علمنا بأن الرسول الأعظم لم يتحدث كثيرا عن النظام السياسي يتضح لنا بأن الفكر السياسي السني يعتمد في تغطيته لممارسات الحكام الأمويين و العباسيين، بدرجة رئيسية على سنة الصحابة أكثر مما يعتمد على السنة النبوية.

No comments:

Post a Comment