Sunday 30 December 2012

الديموقراطية بين فلول السنة والشيعة
الربيع العربي والعقدة الطائفية

بعد سبات طويل هبت الجماهير العربية في مواجهة الأنظمة الاستبدادية الطاغية، مطالبة بالعدالة والحرية والديمقراطية، ونجح بعضها في استلام السلطة بصورة سلمية، بينما أخفق بعضها جزئيا، ودخل بعضها الآخر في أتون معارك طائفية، ليتحول الربيع العربي في بعض البلاد الى فتنة طائفية، ومحاولة لسيطرة ما يسمى بالشيعة على النظام السني، أو ما يسمى بالسنة على النظام الذي ينتمي طائفيا الى الشيعة. وبالرغم من أن الديمقراطية تتنافى جوهريا مع الطائفية التي تقترن بالاستبداد والتمييز، الا ان الكثير من الناس انخرطوا في الفتنة الطائفية وهم يرفعون شعارات الديمقراطية، ودخلوا في مواجهات مع اخوانهم من ابناء الطوائف الأخرى، في خطوة كبيرة الى الوراء.
وفي الحقيقة لا يمكن إغفال الشكوك التي ترجح وجود مؤامرات داخلية وخارجية لاشعال الفتنة بين المواطنين في كل بلد من أجل صرف أنظارهم عن الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة والمستبدة، وإلهائهم في معارك جانبية تطيل عمر الطغاة، ولكن نجاح تلك المؤامرات يكشف عن جهل فادح بحقيقة الخلاف التاريخي بين السنة والشيعة، ومعناه وكيفية نشوئه والتطورات العديدة التي حصلت فيه، وطرق تجاوزه، ومدى استمراره ونسبة العوامل الجوهرية الزائلة فيه، والظواهرالقشرية الباقية منه، بما يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل الخلاف الطائفي السني - الشيعي اليوم خلاف حقيقي؟ أم وهمي؟ ومن هو السني؟ ومن هو الشيعي؟
يتفق علماء الكلام والباحثون في الملل والنحل والمذاهب على ان الخلاف الرئيسي بين السنة والشيعة وبين المسلمين عموما، كان يدور بالدرجة الأولى حول الامامة، وشروط الامام. وهو ما يعني بالمصطلح الحديث أن الخلاف كان يدور حول النظام الدستوري ومواصفات الرئيس وشروطه وكيفية انتخابه وصورة علاقته بالمواطنين، وطرق نصبه وعزله، وما الى ذلك. وقد قال بعض المسلمين بأن الامامة والخلافة من حق جميع المسلمين، بينما قال بعضهم أنها من حق قبيلة قريش فقط، وقال بعض آخر بأنها من حق عترة الرسول ، بينما قال بعض آخر بأنها من حق أهل البيت وأبناء علي، واختلف هؤلاء فقال بعضهم بأنها من حق أبناء الحسن والحسين بينما قال بعض آخر بأنها من حق أبناء الحسين فقط. وأضاف هؤلاء بأن الامام يجب ان يكون معصوما ومعينا من قبل الله. وهكذا ولد السنة والشيعة قبل اربعة عشر قرنا واختلفوا حول الامامة وتصارعوا.. وقامت لهم دول ثم زالت. ثم مروا بتطورات فكرية سياسية جذرية عديدة، ثم اتفقوا على فكر سياسي جديد هو الفكر الديمقراطي، ولم يبق لهم من اسمائهم القديمة الا القشور والشعارات، حتى أصبح بامكاننا القول بأن خلافهم اليوم وهمي لا حقيقة له. ولكنهم لا يزالون يحتفظون بالعقدة الطائفية في نفوسهم. وهذه العقدة كانت وليدة الفكر الاستبدادي العملي والنظري، وكان يفترض مع اتجاه أبناء الطوائف المختلفة صوب الديمقراطية تجاوز تلك العقدة الطائفية، والذوبان في بوتقة الفكر الجديد الديمقراطي والأنظمة الدستورية التي توفر العدالة والحرية والمساواة للجميع. ولكن مع الأسف ان قواعد وأنظمة الاستبداد ومخلفات الفكر الطائفي لا تزال تعمل في العقل العربي وتحول دون دخول العصر الديمقراطي بجدية وقوة. ولا يزال البعض يستعيد التاريخ ويتمسك بالخلافات القشرية ليؤجج نار الفتنة الطائفية ويقلب الربيع العربي الى جحيم.
ومن هنا فان القاء الضوء على العقدة الطائفية ودراسة اسباب الخلاف التاريخي بين السنة والشيعة، وملاحظة التطورات العديدة الجذرية الحاصلة في الفكرين السني والشيعي، وتمييزها عن القشور والمخلفات والطقوس، كفيل بإدراك وامساك اللحظة التاريخية باتجاه مغادرة الماضي والدخول في المستقبل.
هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان القيام بتلك العملية يعري فلول السنة والشيعة الذين لا يزالون يعملون من أجل ترسيخ الديكتاتورية ومقاومة الديمقراطية في داخل كل بلد عربي واسلامي، واشعال الفتن الطائفية من أجل الوصول الى السلطة أو البقاء فيها لمدة أطول.
وقد بدأت بدراسة موضوع هذا الكتاب قبل حدوث ثورة الربيع العربي بسنتين، وكان موضوع البحث يدور حول (الشرعية الدستورية في الأنظمة السياسية المعاصرة، دراسة مقارنة بين ايران والسعودية) وهو موضوع يبدو لأول وهلة أنه بعيد عن بحث العقدة الطائفية، ولكنه في الحقيقة يدور في صلبها، وذلك لأن العقبة أمام التطور الدستوري الديمقراطي في العالم الاسلامي هي (الشرعية الدينية) البديلة، وهي قائمة على الفكرين السياسيين القديمين السني والشيعي اللذين يدعمان الاستبداد ويرفضان الاحتكام الى الشعب والرجوع اليه في أخذ الشرعية الدستورية. وكان علي أن أبحث في مبدأ تكون الطائفتين وتاريخ ولادة الفكرين السياسيين السني والشيعي، ومدى علاقتهما بالفكر السياسي الاسلامي الأول القائم على الشورى وحق الأمة في اختيار الامام. ثم كان علي أن اسجل التطورات الكبرى التي حصلت في مسار كل فكر، انتهاء بالمحطة الأخيرة التي بلغها كل من الفكر السني والشيعي قبل مائة عام، وهي المحطة الدستورية سنة 1906 في ايران و1908 في تركيا. وكان يقدر لهذه المحطة أن تكون البوتقة التي تنصهر فيها المذاهب الاستبدادية القديمة، وتستعيد حيويتها الأولى، وتلغي العناوين البائدة الوهمية، وتنقل العالم الاسلامي الى وحدة حقيقية وعصر ذهبي جديد، لولا الانتكاسات التي حدثت هنا وهناك في المسار الديمقراطي وعدم فهم حقيقة التطور الدستوري وكونه بديلا جذريا عن الفكر الطائفي.
ان الشرعية الدستورية تعني حكم الشعب والحرية لجميع أفراده، والعدالة والمساواة، وعدم تقديس الحاكم أو اضفاء طابع ديني على نظام الحكم، وهو ما يتناقض تماما مع المنطق الطائفي الديني الذي يحاول احتكار السلطة في الدنيا والجنة في الآخرة، باعتباره يمثل الفرقة الناجية، في حين يقصي الطرف الآخر أو يقضي عليه في الدنيا ويحكم عليه بدخول النار في الآخرة. وهذا منتهى الاستبداد. وهو ما يقف عقبة كأداء أمام انطلاق مسيرة الربيع العربي وتحقيقه لأهدافه في بناء ديمقراطية حقيقية عادلة توفر الحرية والاحترام للجميع.
أحمد الكاتب
22/5/2012
مدخل الى كتاب: الشرعية الدستورية في الانظمة السياسية الاسلامية المعاصرة، دراسة مقارنة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية

No comments:

Post a Comment