Tuesday 13 March 2012

الصراع على الجزيرة العربية ، من مسيلمة الكذاب الى محمد بن عبد الوهاب

أحمد الكاتب

أحمد الكاتب : الصراع على الجزيرة العربية ، من مسيلمة الكذاب الى محمد بن عبد الوهاب

عندما ظهر الاسلام كانت الجزيرة العربية تخضع لسيطرة وهيمنة بلاد فارس، من البحرين الى عمان والى اليمن والحجاز، و عندما أرسل النبي الأكرم محمد (ص) رسالة الى كسرى يدعوه فيها الى الاسلام غضب كسرى ومزق رسالة النبي، وأرسل الى عامله في اليمن باذان ان يعتقل النبي ويرسله مخفورا اليه، ولم يحتج باذان لارسال جيش الى المدينة المنورة لأن الحجاز كما يبدو كانت واقعة تحت هيمنة اليمن، وانما ارسل شرطيين الى المدينة مع أمر بالاعتقال، فأخبرهما النبي بأن كسرى قد مات في اليوم الفلاني، وانتظر باذان ليتحقق من الخبر، ولما تأكد من ذلك أعلن اسلامه. وبالتالي يمكن القول ان الاسلام ، في بعد من أبعاده، كان حركة ثورية استقلالية ضد السيطرة الفارسية على الجزيرة العربية، قبل ان ينتقل هو الى السيطرة على بلاد فارس وتحريرها من الأكاسرة.
وكأي حركة فكرية أو دينية كان للاسلام بعد آخر هو البعد السياسي الداخلي يتعلق بالصراع بين القبائل العربية نفسها في السيطرة على الجزيرة العربية. فقد نظرت قريش في البداية الى الاسلام وكأنه يهدد زعامتها على العرب، ولذلك حاربت النبي محمد، ثم رأت فيه أفضل وسيلة للسيطرة عليها من خلال الاسلام. وفي نفس الوقت كانت القبائل الكبيرة الأخرى كبني حنيفة تدرك هذه القيمة السياسية العظمى للاسلام وحاولت استغلاله لمآربها الخاصة، بل وفاوضت الرسول الأعظم بأن تعلن اسلامها وتمنعه من قريش في مقابل أن يسلمها السلطة فيما بعد رحيله. وعندما ذهب الرسول الأعظم الى قبائل بني حنيفة وهي تضرب منازلها في مكة في أيام الحج، وعرض عليها الاسلام في أيام اشتداد الحصار القرشي عليه، قال رجل من بني حنيفة من بني عامر بن صعصعة، يتميز بالذكاء الحاد، ويقال له بيحرة بن فراس، قال: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب!. ثم قال للنبي: أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال له النبي: الأمر الى الله يضعه حيث يشاء، فقال: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فاذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك. (سيرة ابن هشام، ج2 ص 39 – 40، دار الصحابة للتراث بطنطا، 1995)
ويبدو ان تنافس بني حنيفة وهي قبيلة كبيرة كانت تسكن اليمامة في نجد، مع قريش التي كانت تحاول السيطرة على العرب، هو الذي أخر اعلان اسلامها عن بقية القبائل العربية، الى أواخر عهد النبي ، في السنة التاسعة، عندما جاء وفد اليمامة وأعلن اسلامه، فدخلوا على رسول الله الا رجل واحد منهم يقال له مسيلمة بن حبيب الحنفي، فقالوا له : يا رسول الله : إن فينا رجل من سادتنا خارج الدار وما رضى أن يدخل معنا فقال لهم رسول الله : ما دام يحرس متاعكم إذن فهو ليس بأسوءكم و اعطاهم الهدايا له ، فخرجوا لمسيلمة وقالوا له ما قاله رسول الله عنه، فقال لهم مسيلمة : إنظروا مدحنى محمد ، ثم بعد ذلك ذهب مسيلمة لبيت النبى فقال له القوم : متى تُسلم يا مسيلمة ؟ فقال لهم مسيلمة: أُسلم على أن يعطينى محمد الأمر من بعده ، فسمعة الرسول ، فأمسك عرجونا صغيرا من الأرض وقال : والله يا مسيلمة لإن سألتنى هذا العرجون ما أعطيته لك . ولما عاد وفد اليمامة الى بني حنيفة أعلن مسيلمة النبوة وجمع الناس وقال لهم ، مشيرا الى النبي محمد:" لقد أشركني معه في الأمر. ألم يقل لوفدنا أني لست أسوأهم؟ هذا لا يعني سوى أنه على علم بأني شريكه في الأمر". وكتب الى النبي محمد رسالة يدعوه فيها الى تقاسم السلطة في الجزيرة العربية ويقول فيها: " من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله: آلا إنى أوتيت الأمر معك فلك نصف الأرض ولي نصفها ولكن قريشا قوماً يظلمون" فأرسل له النبى : " من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من أتبع الهدى ، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبه للمتقين". (ابن هشام، السيرة النبوية، ج4، ص 1020 و البخاري، حديث رقم 4373)
ان هذه المراسلات التي انتهت بإعلان مسيلمة للنبوة رغم اسلام بني حنيفة، تكشف عن بعد مهم في الدعوة الاسلامية، وهو البعد السياسي ونظر الكثير من القبائل الى الاسلام على أنه أداة لسيطرة قريش عليها، وهذا ما حدث فعلا بعد وفاة النبي الأكرم، ولم تكن السقيفة الا محاولة من الأنصار لتدارك الأمور والاستقلال عن قريش ، الا ان المهاجرين وعدوهم في السقيفة بأنهم سيكونوا الوزراء للمهاجرين، وأنهم لن يقطعوا أمرا الا بعد التشاور معهم. وهذا ما لم يحدث أيضا حيث تم العهد الى عمر من أبي بكر، ووصية عمر الى ستة من المهاجرين من بعده لاختيار خليفة جديد، دون استشارة الأنصار أو ضمهم الى الشورى. وقد حاول الصحابة القرشيون تصوير الأمر وكأنه أمر ديني فرووا عن رسول الله "ان هذا الامر في قريش" ليمنعوا بقية القبائل العربية عن التفكير أو التطاول نحو السلطة. ويقول بعض المؤرخين ان حركة الخوارج التي انشقت عن جيش الامام علي في الكوفة، في صفوف القبائل النجدية كبني حنيفة وبني تميم، انها كانت محاولة لاستعادة السلطة من قريش أو مشاركتها فيها، ولذلك ذهب الخوارج الى ان الخلافة من حق جميع المسلمين ولا تقتصر في قريش.
ومن المعروف ان الصراع على السلطة خرج من اطار القبائل العربية مع خروج الاسلام الى المناطق الأخرى الواسعة، فنشبت صراعات أخرى بين العرب والفرس والترك والقوميات الأخرى. وإذا عدنا الى الجزيرة العربية اليوم لوجدنا بقية من ذلك الصراع القديم، وان كانت قربش كعصبية قبلية قد تلاشت من الجزيرة العربية، الا ان قبائل نجد واليمامة ظلت على عصبيتها وحاولت وتحاول ان تهيمن على السلطة في الجزيرة العربية. ولعلنا نجد في حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو ما يسمى "الدعوة النجدية" التي ظهرت في القرن الثامن عشر، بعدا سياسيا واضحا، فهي لم تقتصر على البعد الديني الاصلاحي، وانما اقترنت بالتحالف مع السلطة السعودية، عندما قام محمد بن عبد الوهاب بعقد تحالف تاريخي مع محمد بن سعود أمير الدرعية بأن ينصر هذا دعوته ويدعم ذاك سلطانه ويضمن الخلافة في بنيه، حيث قال الشيخ للأمير في أول لقاء معه:"إن أهل نجد اليوم مشركون جاهلون ومقسومون ومختلفون، يقاتل أحدهم الآخر. آمل أن تكون الإمام الذي يجتمع حوله المسلمون، وأن يكون أولادك من بعدك أئمة متوالين" فرحب به الأمير ابن سعود وأعلن استعداده لنصرته. ووعد الشيخ الأمير بملك نجد أو الجزيرة العربية، وقدم له الدعم وأضفى صفة "الشرعية الدينية" على نظام حكمه القائم بالفعل ، وعندما توفي الأمير ، جعل الشيخ الأمر بيد ابنه عبد العزيز ثم بيد ابنه عبد الله. (العاصمي النجدي، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 1972، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ص 348، ج 6 ، وابن غنام، حسين (حوالي 1790): تاريخ نجد: روضة الأفكار والأفهام ، ص 87 دار الشروق، القاهرة – بيروت، الطبعة الثالثة 1994 و ابن بشر: عنوان المجد في تاريخ نجد: 1835 ، ج1 ، ص 46 مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الرياض، الطبعة الرابعة 1982 )

و هناك رواية أخرى يذكرها حسن الريكي صاحب كتاب (لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب) 1817، وهوكاتب معاصر للدولة السعودية الأولى، تتحدث عن عقد الشيخ صفقة صريحة مع الأمير محمد بن سعود، حول تقاسم السلطتين الدينية والسياسية والاتفاق على توارثهما معا في عائلتي الشيخ والأمير. وأن الشيخ قال لابن سعود:" أريد منك عهداً على أنك تجاهد في هذا الدين، والرياسة والامامة فيك وفي ذريتك، وأن المشيخة والخلافة في الدين فيّ وفي آلي من بعدي أبداً ، بحيث لا ينعقد أمر ولا يقع صلح أو حرب الا ما نراه كذلك، فان قبلت هذا فأخبرك : أن الله يطلعك على أمور لم يدركها أحد من عظماء الملوك والسلاطين" فقال الأمير ابن سعود: قبلت وبايعتك على ذلك. (الريكي، حسن بن جمال بن أحمد، لمع الشهاب ، ص 30 –31 دارة الملك عبد العزيز بالرياض بنشرها سنة 2008 )
وهذه الرواية تفسر التحالف التاريخي بين آل سعود وآل الشيخ، ذلك التحالف السياسي الديني العائلي الممتد حتى اليوم. وهو تحالف شيطاني غريب لم يعرفه الاسلام والمسلمون من قبل، فان النبي محمد (ص) لم يعط الخلافة لقريش ولم يوص الى أحد من بعده، بينما قام محمد بن عبد الوهاب بأمر مناف للعدالة ولحرية الناس ومناقض لحقوقهم السياسية بأن فرض عليهم نظاما ملكيا مطلقا مستبدا وأضفى عليه مسحة دينية . وهو ما نشاهده اليوم من استماتة أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من الدفاع عن النظام السعودي وعن كل ما يفعل، وتحريمهم للتظاهر والاعتصام والمطالبة بأية حقوق سياسية أو أي نوع من المشاركة السياسية.
لقد نجح الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما فشل فيه مسليمة الكذاب الذي أراد ان يقاسم قريش السلطة، فاذا بهذا الشيخ يعطي السلطة كلها لآل سعود ويحرمها حتى على بني حنيفة وبني تميم،وقد نجح آل سعود حتى الآن في تحويل الاسلام أو الدعوة النجدية الى أداة للسيطرة السياسية على الجزيرة العربية، ولولا القوات البريطانية لحاول آل سعود مد نفوذهم الى الخليج والعراق ومصر.
ولا يزال الصراع على السلطة مستمرا باسم الدين.

No comments:

Post a Comment